Welcome to almotanabibookshop

رجل لكل الغزاة

Author عماد زكي | Publisher دار القلم دمشق

Publish Year 2014

Pages 512

ISBN 9789933290078

Book Chapters 1

Print Number 1



"الطريق إلى فلسطين ما زال في بدايته، والليل الحالك يلقي بثقله على كل شيء، والخواطر المسربلة بالحزن تتزاحم في صدره، فتهلب مشاعره وتحرك مدامعه، والقلب الواثق الجريء يدفعه إلى الأمام، لكن جذوره معلقة هناك.... بين حواكير الليمون والعنب والتين والزيتون... على السفوح الخضراء حيث ولد وترعرع، وتنفس الحياة كأروع ما تكون، هناك مع الأهل والأصحاب، مع الرجال الطيبين الذين التفوا حوله، يقارعون الغزاة القادمين من وراء البحار، وانتزعه الشيخ علي عبيد من خواطره: أين ستصلي الصبح يا شيخ عز الدين؟ في المسجد إن شاء الله... همس أحدهم في قلق: في المسجد؟! لعلك لم تحسب حساب العيون والجواسيس يا أبا محمد؟ أعرف مصلى في طرف الغابة، لا يصل إليه في هذا الساعة أحد، إنصاع الرجال لرأي القسام، ومضوا خلفه في طريق وعر... وما هي إلا ساعة، حتى وَصْوَصَ لهم ضوء من بعيد... ما هذا الضوء؟ اطمئنوا هذا قنديل الشيخ باكير. ابتسم الرجال... أصدقاء القسام في كل مكان... واقتربوا من الضوء، حتى تبينوا التفاصيل... كان قنديل الشيخ باكير يتدلى من بطن شجرة تين وارفة، ألقت بأغصانها العالية على مسجد صغير، فاحتوت نصفه، وكأنه رابض في أحضانها... وعلى بعد خطوات منه بئر ماء عذب... يتوضأ عند حافته شيخ وقور... التفت الشيخ باكير على وقع خطوات الرجال، وقد أنهى وضوءه للتوّ... فتهللت أساريره لرؤية الشيخ عز الدين، وهو يلقي السلام... هتف والماء يقطر من لحيته البيضاء التي أحاطت بوجهه الأبيض المورد: يا هلا بالشيخ عز الدين... يا هلا... كيفك يا ولدي؟ بخير يا شيخ باكير... الحمد لله على كل حال... أخبارك تملأ الدنيا... قلبي معك... واستدرك الشيخ باكير، وهو يتأمل وجوه الرجال: حيا الله الشباب... تفضلوا وارتاحوا قليلاً... دلف الرجال إلى المسجد، كان أشبه بغرفة واسعة مُدّت بالحصير، ليس لها من ملامح المسجد سوى محراب صغير، نحت في حائط القبلة، وعلّق بجانبه مصحف كبير، وانتحى الشيخ باكير بالقسام: لم تقل لي ما أخبارك؟ تنهد القسام وقال: ليس هناك ما يسر يا شيخ باكير... الفرنساوي يكاد يحكم قبضته على البلاد... والناس مساكين... حاصرونا في الجبال حتى أحكموا علينا الحصار... بواردينا لم تعد تكفي لمدافعهم، أو تكافئها... عرضوا علي أن استسلم فرفضت... العالم عندما يستسلم يا شيخ باكير، يقتل عزائم الناس، ويوهن في نفوسهم إرادة الجهاد... وما أنا بفاعل بإذن الله تعالى... آثرت أن أغمد سيفي إلى حين، ولا أكسره... لن تقول سوريا بأن الشيخ عز الدين القسام، رجل العلم وخريج الأزهر، استسلم للغزاة، وستطمئن إلى أن السيف ما زال في غمده وستعيش على أمل. حوقل الشيخ باكير والدمعة في عينيه: لا حول ولا قوة إلا بالله... من أين أتانا هؤلاء؟ تربصوا بالخلافة حتى ضعفت، فانقضوا علينا... الضعف دائماً يعري بك الأعداء، حوقل الشيخ ثانية... ولكن أين ستختبئ يا ولدي؟... سأهاجر إلى حين، إلى أين؟ إلى فلسطين... إلى فلسطين؟!... انتظر هناك لعل الله سبحانه وتعالى يحدث أمراً... نلم شعثنا ونراجع أمورنا... ونشد من أزر إخواننا أن استطعنا، ففلسطين كما تعلم في خطر أيضاً، "تابع عز الدين القسام مسيره إلى فلسطين، وهناك تابع مسيرته الجهادية التي أشعلها ثورة ضد اليهود والإنجليز، ثورة هزت الإدارة البريطانية وتوجس فيها اليهود ومستقبلاً عاصفاً، يزلزل تحت أقدامهم الوطن الوعود... فكانت الحرب عليه طاحنة... واستشهد القسام الذي كان يسمع وفي إحدى معاركه مع المجاهدين في جبل "كفرقود" أصوات المكبرات تدعوه للإستسلام، وهتف الشيخ بصوت هادر... خسئتم، لن نستسلم... قولوا لأسيادكم أيها الصغار... لن تستسلم... لن تستسلم... والتفت إلى رجاله بنبرة حاسمة: خذو أماكنكم أيها الرجال... هذا جهاد، نصر أو إستشهاد و... "وكبروا بصوت واحد... وانهمر الرصاص، يكتب تاريخاً جديداً لشعب عرف طريقه، ولن يعود. وحاولت قوة من الإنكليز الإقتراب لإختراق دفاعات المجاهدين، فثبتوا وصمدوا، وقتل شرطي إنجليزي وجرح آخر، وتقدمت مجموعة أخرى، ثم ثالثة، وفجأة تمكنت رصاصة آثمة من الشيخ عز الدين القسام، فأصابت الرأس الشامخ، واخترقت صلابة روحه، لترسم نموذجاً خالداً للمجاهد الذي يأبى أن ينحني للظلم، أو يهاون العدوان... قد تستطيع بريطانيا أن تهزمه، بما حشدت من العدو والعدة، لكنها لن تهزم مكره... لقد زرع روح الجهاد في قلوب لن تركع... وسوف تثمر ثورة بعد ثورة، حتى تغسل هذه الأرض من دنس الظلم والإحتلال...

Price

57.5 RS


Qty
1