يمكنكم الان الطلب عبر الموقع الالكتروني والاستلام من الفرع الرئيسي في شارع المستشفى المركزي حي البادية فقط 

رقم التواصل عبر الواتساب 0553708298

عصيان الوصايا

المؤلف لطيفة الدليمي | الناشر دار المدى

سنة النشر 2019

عدد الصفحات 287

الترقيم الدولي 9789933617905

عدد الأجزاء 1

رقم الطبعة 1



كان عليّ أن أخترق أول التابوهات مطوّقة بخوفي وحده؛ فكيف لمخترق المحظور أن يكفّ عن الخوف وهو أمام كشف مدهش؟؟ شهوة مواجهة المجهول هي ما يجعل الخوف - وليس الإقدام - دافعاً لاختراق المحرّمات: الحواسّ البِكر تنقذف في التجربة وتجعلنا نبصر ونشمّ ونسمع ونتذوق ونلمس وفي الغالب نشمّ أكثر في الصمت، الخوف من الإنفضاح هو ذاته سرّ لذتنا في الإكتشاف، الإنفضاح وحده لا يكفي. مع أوّل كتاب لمسته يداي - غير كتب المدرسة - فغمت أنفي رائحة التبغ الخام ممتزجة برائحة الكتب الصفراء - الورق الهشّ والطباعة الحجرية، مزيجٌ من روائح كانت تفور من نبع سرّيّ في حجرة معتمة تسلّلتُ إليها ذات ظهيرة صيف أنا الصبية الصغيرة التي تتصبّب عرقاً وترتعش وهي تعبر الغرفة إلى كشوفها الأولى لتمزق أوّل الحجب. الخوف من انكشاف تسلّلي إلى حجرة المُحرّمات يرعش يديّ النحيلتين وهما تقلّبان الكتب الشهيّة في بصيص نور يتسلل من كوّة وسط السقف يدعونها (السمّاية)، والكلمة تصغير عاميّ لصفة منسوبة للسماء. كانت السماء سندي في الإنغماس بالخطيئة الأجمل: إستراق قراءة الممنوع والمحظور. مفارقة جعلتني وأنا صبية أتمزق بين أشواق أرضية ونزوع سماوي؛ فدخلت ظلال الكلمات وأطياف المعاني وترحلّت في خفاء الحلم دون أن أفقد ظلي. أبي كان ماركسياً حالماً باليوتوبيا والعدالة موه وماً - شأنه شأن الكثيرين - بالنظرية التي سحرتهم وعودها الفردوسية، هو وصحبه كانوا يتداولون كتباً ومجلات وصحفاً تعذّر عليّ - وأنا إبنة التاسعة - أن أعي مضامينها، وكانوا يتعمدون إغوائي بقراءتها وما كنت أحفل بها آنئذ، أقلّبها بعجالة وأهجرها إلى أحلامي وقصصي الطفولية التي كنت أكتبها وأرسم وقائعها في الصفحة المقابلة وأتمتع بخلق شخصيات لا وجود لها في عالم الكبار المقنّن حتى ملأت دفاتري المدرسية كلها بالحكايات والرسوم ونلت عقاباً من معلّماتي وزجراً من الوالدين. مقابل ضلال أبي الماركسيّ - كما كان يقال - كان زوج خالتي تاجر التبغ المتدّين يحظى باحترام العامة ونفور المتعلمين والمثقفين، ومقابل كتب أبي التي تتخطّى فضاء المقدس إلى مدى حرية الفكر وتفنيد ماهو مستقرّ وثابت من الأحكام كان زوج خالتي يقيم أذكاراً دينية كلّ ليلة جمعة في داره أو في خان البلدة القديم، ويؤمّ الذكرَ دراويشٌ ومشرّدون ومتصوّفة ومشايخ وجياعٌ ولصوص يتقمّصون توبة لليلة واحدة، وكان يرقي المرضى والمصروعين ويعوّذ الأطفال بالأحجبة ويقوم هو وجمعٌ من المريدين وعوائلهم بزيارات لمراقد الأولياء لتقديم الولاء والصّدقات وفكّ أسر المأخوذين واستنزال الخصب لأرحام النساء العواقر.

السعر

27.6 ر.س.


الكمية
1

كتب أخرى للمؤلف